3) عوامل الاندماج
يتوقف اندماج الشخص المهاجر في وسطه الاجتماعي الجديد على مجموعة من العوامل أو الوسائل:
أ) موقف الحكومة و عملها بشأن الهجرة. فالسياسة الحكومية و البرامج التي تضعها في مجال الهجرة و التدابير التي تتخذها لتسوية وضعية المهاجر’ كما هو الشأن حاليا في المغرب على إثر المبادرة الملكية السامية’ تفتح و لاشك الآفاق أمام المهاجرين و المهاجرات ليس للإقامة في المغرب فحسب و لكن أيضا للحق في ولوج الشغل و الاستفادة من باقي الحقوق التي يتمتع بها المواطنون المغاربة . هذا الشرط هو الأساس الأول الذي يقوم عنه وضع المهاجر.
ب) موقف السكان الذين يعيش المهاجر بين ظهرانيهم . و هو موقف يعبر عن مدى تقبل السكان للآخر و التعايش معه و هو نابع من ثقافة المجتمع و تقاليده العريقة في الإيواء و الاستقبال و الجوار . و المغرب كبلد إسلامي عريق يعتز بكل من دخل في حصنه و لجأ إلى ثغره و احتمى بحماه ؛ و هو بحكم انتمائه إلى القارة الأفريقية يزخر بتنوعه الثقافي بين ما هو أمازيغي و عربي و أفريقي’ و لذلك كان المغرب في مأمن من الصراعات الإثنية و اضطهاد الأقليات الثقافية . ثم أن للمغرب تاريخا مشتركا مع البلدان الأوروبية مثل فرنسا و إسبانيا في الكفاح من أجل الحرية ’ و روابط إنسانية أصبحت مع مرور الزمن روابط أسرية ’ كما أنه تاريخيا يؤثر و يتأثر بالحضارة الأوروبية ’ و هو اليوم يبذل الجهود الحثيثة للإضفاء على الكونية طابعه الخاص من خلال قراءته و فهمه و تطبيقه للديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان.
ت) العامل الثالث يتعلق بالبنية الاجتماعية و بقدرتها على امتصاص الهجرة. إن دراسة و تحليل التغير الاجتماعي في المغرب و التدقيق في الإصلاحات الاجتماعية و الوضع الاجتماعي الحالي و ملامح الحوار الاجتماعي تظهر كلها بأن البنية الاجتماعية الحالية هي بنية في طور الحداثة. بدأت صيرورة تحديث المجتمع المغربي مند قرون عدة و لكن التحديث الاجتماعي المعاصر يتجسد أساسا في الهجرة القروية و وتيرة التعمير الملازمة لها و تطور التعليم و التأهيل المهني و الإصلاحات الكبرى التي تعرفها المملكة مند مطلع القرن الحالي في ميادين شتى تتعلق بالأسرة و الحكامة و الدستور المتقدم و الجهوية المتقدمة و الحريات الفردية و الجماعية و تحديث الإدارة و محاربة الفساد’ الخ ؛ بحيث توفرت للمغرب تجربة رائدة قل نظيرها في العديد من البلدان العربية و الأفريقية على الخصوص. غير أن المغرب لا زال في طور تحقيق التحولات البنيوية في التركيبة القطاعية لليد العاملة ’ ذلك أن الحداثة الاجتماعية وثيقة الصلة بالحداثة الاقتصادية و هو رهان التنمية الشمولية التي خطى المغرب فيها خطوات عملاقة بفضل سياسة الأوراش الكبرى و الاستراتيجيات التنموية القطاعية . و إذن يتوقف اندماج المهاجر على مرونة البنية الاجتماعية و إعطاءه نفس الحظوظ التي عند المواطن في الشغل و الخدمات الاجتماعية و نفس الحظوظ أيضا في التسلق الاجتماعي.
يؤكد الخبراء على أن الامتصاص الاقتصادي للهجرة شرط ضروري للامتصاص الثقافي بالرغم من كون الثقافة غير مرتبطة بشكل آلي بالاقتصاد.
ث) موقف المهاجر نفسه و هذا هو بيت القصيد في عملية الاندماج بحيث أن هذا الموقف تجاه البلد المستقبل إنما يتوقف على قدرة المهاجر على التكيف مع وسطه الاجتماعي الجديد و هذا يتعلق بقدراته اللغوية أو على اكتساب اللغة و مهاراته الفنية و حوافزه و سلوكه الاجتماعي’ إذ بقدر ما يكون المهاجر منفتحا و متواصلا مع وسطه الجديد و غير منغلق على نفسه’ بقدر ما تكون عملية الاندماج سهلة. و من الخطأ ترك المهاجر يعيش في غيتوهات منعزلة أو تركه ليصبح عالة على المجتمع .