منتدى واحة الديمغرافيا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى علمي متميز يهتم بكل ما له علاقة بالسكان والديمغرافيا


    السكان و الصراعات الاجتماعية

    عمرو قضاض
    عمرو قضاض


    المساهمات : 97
    تاريخ التسجيل : 19/04/2013
    العمر : 69
    الموقع : a.kodade@yahoo.com

     السكان و الصراعات الاجتماعية Empty السكان و الصراعات الاجتماعية

    مُساهمة  عمرو قضاض الجمعة يوليو 12, 2013 7:27 pm




    لم يعد علم السكان يقتصر على الدراسة الكمية للسكان فقط و لكنه علما يحاول فهم و تفسير ديناميكية السكان من صراعات و ثورات و غيرها و يتنافس في ذلك مع العلوم الأخرى كعلوم الاقتصاد و الاجتماع و علم الحياة‘ . يعتبر "جان – كلود شيسني" علم السكان " بأنه أحد المكونات الكبرى لما كان يسمى في الماضي بالحساب السياسي" و " أنها أيضا إحصاء متخلق لأنه يسمح بقياس درجة تفكك أو عدم تفكك المجتمع. إنه علم حياة المجتمع الذي يقيس إمكانات نمو و تراجع المجموعات البشرية و الحضارات و الديانات‘ توسعها و ركودها" (1). و بقدر ما يقر الباحثون بوجود علاقة بين الوضع السكاني و مختلف الصراعات بقدر ما يؤكدون أيضا أن هذه العلاقة معقدة و تستدعي عناصر عدة من خصائص اقتصادية‘ اجتماعية‘ ثقافية و دينية؛ و أنظمة سياسية و علاقات دولية...
    (1)Jean -Claude Chesnais, Démographie et Stratégie: le crépuscule de l'occident.

    يرجع أصحاب مذهب مالتوس الجديد المشاكل التي يعرفها العالم وبالخصوص البلدان التي لم تحقق بعد إقلاعها الاقتصادي إلى العامل السكاني. لاشك أن العوامل السكانية تلعب دورا مهما في تحديد عدد السكان النشيطون و صيرورة نموهم‘ و أن تأثيرها على صيرورة النمو الاقتصادي و الاجتماعي قد يكون سلبيا من خلال تقويتها لعدد العاطلين و المزاولين لشغل ناقص‘ إلا أن اختزال مشاكل البلدان الاقتصادية و كذلك أزماتها و الصراعات التي تعيشها هو في نظر الناقدين لهذا المذهب مقاربة أحادية لا تأخذ بعين الاعتبار الطابع المعقد للظواهر و تداخلها و تنوع الأوضاع من بلد إلى آخر و التطور الحالي لهذه البلدان؛ بل هناك من المفكرين من اعتبر أن التزايد السكاني المفرط في البلدان السائرة في طريق النمو هو الذي يغذي الطموح الامبريالي لغزو بعضها الآخر و أن الحروب هي نتيجة لهذا التزايد السكاني الفائق وأنها تؤدي وظيفة اجتماعية تروم إعادة التوازن السكاني. و هناك مخاوف عند الدول الأوروبية من تنامي الهجرة السرية القادمة من البلدان حيث التزايد السكاني مرتفع و تدفقها على أراضيها.

    أما دراسة الآثار أو النتائج السكانية للصراعات كالخسائر في الأرواح بعد الحرب و مستوى الخصوبة و الهجرة و حركات اللاجئين وغيرها تطرح مشاكل في التحليل أقل من تلك التي يطرحها الاتجاه الأول و مع ذلك لا تخلو هذه الدراسات بدورها‘ حسب "فرانسيس جاندرو"(2) من حمولة ايديلوجية و من الأهواء و من الميول للاختزال.
    (2) Francis Gendreau, La dimension démographique des conflits africains.


    ا) المقاربة المالتوسية الجديدة
    اعتبر المدافعون عن هذا الاتجاه الفكري أن الضغط السكاني يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وبالتالي يشكل حاجزا أمام تقدم الديمقراطية و لدعم و جهة نظرهم هذه يعتمدون على مؤشرين مركبين أساسيين :
    - المؤشر الأول هو مؤشر سكاني يتركب من معدل النمو السكاني و من نسبة السكان الذين يقل عمرهم عن 15 سنة و من معدل التعمير و من معدل نمو السكان النشيطون و من مؤشر التنافر الإثني و الديني و اللغوي للسكان.
    - المؤشر الثاني هو مؤشر عدم الاستقرار السياسي و هو يتركب من خمس مؤشرات تعنى بالظواهر الآتية: تكرار تغيير الحكومات‘ الحريات السياسية‘ الحريات المدنية‘ العنف الجماعي و عدم تلبية حاجيات الشباب.
    يتم احتساب هذين المؤشرين بداخل سلم قيم يتراوح بين 0 و 100 . و قد لوحظ في تطبيق هذا التحليل على 120 بلدا افريقيا أن المؤشر السكاني يتراوح بين 11 و 88 بينما مؤشر عدم الاستقرار السياسي يتراوح بين 13 و 95.

    بأن هذه المنهجية في التحليل لا Francis Gendreau يعتبر "فرانسيس جاندرو"
    ترقى إلى مستوى التحليل العلمي الصارم و ذلك راجع لأربعة أسباب في نظره:
    أولا‘ أن المعطيات المستعملة هي معطيات ناقصة كما هو الشأن بالنسبة للمعطيات السكانية التي لا تتوفر بشكل كاف في البلدان الأفريقية و هي متنافرة أيضا كما هو الشأن بالنسبة للمعطيات المتعلقة بعدم الاستقرار السياسي حيث عدم الوضوح في التعريف و في طريقة الاحتساب لهذا المؤشر.
    ثانيا‘ يمكن التشكيك في الصلاحية العلمية لاستعمال مؤشرات مركبة و غير قابلة للتجميع و بالتالي غير قابلة للإستعمال على المستوى الشمولي.
    ثالثا‘ لا يمكن الافتصار على النظرة السطحية في علم الاحصاء بل ينبغي البحث عن العلاقات الترابطية و هذه الأخيرة تفيد بعدم الخلوص إلى نتائج مقنعة.
    رابعا‘ أن العلاقات الترابطية الاحصائية بين العوامل لا تعني و جود علاقات سببية فيما بينها.

    ب) المقاربة المتعددة الأبعاد
    يعتبر "كوكوري ﭬدروﭬتش"(3) أن العنف السياسي هو أصلا ظاهرة متعددة الأبعاد و تفسيرها يفترض الأخذ بعين الاعتبار‘ و في آن واحد‘ العديد من الوجوه التي تتفاعل و تؤدي إلى واقع بالغ التعقيد...". أما "جاندرو" فهو يؤكد بأن تاريخ الأزمات و الصراعات يكشف عن تواجد أسباب عديدة لها حيث بعضها يكتسي طابعا سكانيا و أن القوى السكانية الفاعلة لا يمكن فحصها خارج الإطار الاقتصادي و السياسي و النفسي و تحديدا ينبغي التطرق إلى مسائل الكثافة السكانية و الولوج إلى الأرض و الضغط السكاني و هي عوامل مؤدية للصراع و تعزى إلى تدخل عامل الانتاج ( الأرض) أساسا في البلدان حيث التزايد السكاني مرتفع. كذلك يعتبر التكيف البطيئ للمجتمع فيما يتعلق بالخصوبة و الابتكار التكنلوجي إلى جانب صعوبة الهجرة إلى الخارج عوامل مؤدية إلى حدوث الأزمة. بالاضافة إلى ذلك هناك الصراع التقليدي الملاحظ في جميع البلدان بين الفلاحين و مربيي المواشي. و بشكل أعم يعتبر التوزيع الغير متكافئ للساطة و للمعرفة و للثروة بين مكونات المجتمع ‘ بما في ذلك الأقليات الإثنية‘ من المعطيات الأساسية التي ينبغي أخدها بعين الاعتبار. بخصوص هذه
    (3) Catherine Coquery-Vidrovitch, (Démographie et déstabilisation politique en Afrique occidentale D, in : E. Vilquin (SOUS la dir. de), Révolution et population. Aspects démographiques des grandes révolutions politiques. Chaire Quételet 1989, Institut de Démographie, Université catholique de Louvain.

    العوامل لاحظ المكتب الدولي للشغل في تقريره حول الأزمة الحالية أن سوء توزيع الدخل في العالم العربي من العوامل الكبرى المحددة التي أدت إلى ثورات الربيع العربي. يلاحظ أيضا في العديد من البلدان الأفريقية أن الانتفاضات في المدن هي مصادر الأزمة خاصة من طرف الشباب. و بخصوص الشباب أصبح هذا الأخير يفرض نفسه على الساحة السياسية بفعل واقع سكاني حضري يطبعه الاقصاء الاجتماعي و التهميش‘ ذلك أن النتائج الوخيمة للتعمير السريع‘ في غياب تنمية اقتصادية سريعة‘ هي تدهور نظام التعليم و الاكتظاظ في المؤسسات التربوية و تنامي البطالة التي تهم أيضا المدبلمين و انتشار الشغل الناقص و تراجع النظام التقليدي للتآزر و التكافل الاجتماعيين و تفكك الأسرة التقليدية و منظومة القيم المرتبطة بها من زواج مبكر و سلطة تقليدية للآباء‘ و تنافر الأنماط الاجتماعية - الثقافية و اكتساح الفقر و التهميش في الاوساط الأكثر عرضة و توسع عدم المساوات بين الطبقات الاجتماعية مع ضعف بروز طبقة وسطى من المقاولين و أرباب العمل قادرة على المشاركة الفعلية في القرار السياسي و الاقتصادي؛ هذه العوامل كلها تنعكس سلبا على طموحات فئات واسعة من الشباب الحضري في العيش الكريم و لا تسمح بتلبية حاجياتهم المتصاعدة مع العولمة و الانتشار العالمي للثقافة العصرية بواسطة وسائل الاتصال.

    بتلخيص يمكن القول بأن العوامل السكانية التي تمارس الضغط السكاني في العديد من الدول ليست السبب المباشر في اندلاع الأزمات و لكنها حاضرة في الإطار العام الذي يتسم بعدم التوازن بين السكان و الموارد و بالتحديد العامل الأكثر أهمية في الصراعات هو طبيعة العلاقة القائمة بين اليد العاملة و الموارد الطبيعية للاقتصاد و بخاصة الأرض‘ بحيث أن عدم التوازن في هذه العلاقة هو السبب الرئيس في عدم إمكانية توفر الشغل للجمييع. يظهر عدم التوازن في هذه العلاقة في تواجد أعداد هامة من اليد العاملة التي تعاني من البطالة المزمنة و التي تزاول الأشغال الموسمية الزراعية وتشتغل في البيع المتجول و غيرها من الأشغال الضعيفة الإنتاجية. كما أن حضورالعوامل السكانية الضمني في الأوضاع الاقتصادية المتأزمة يساهم في تقوية الهشاشة و الاقصاء الاجتماعيين و بالتالي يساهم في عدم القدرة على مواجهة الأزمة.




      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 4:48 pm