منتدى واحة الديمغرافيا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى علمي متميز يهتم بكل ما له علاقة بالسكان والديمغرافيا


    المظاهر الديمغرافية و البنيوية و التاريخية للحروب و الثورات العربية

    عمرو قضاض
    عمرو قضاض


    المساهمات : 97
    تاريخ التسجيل : 19/04/2013
    العمر : 69
    الموقع : a.kodade@yahoo.com

     المظاهر الديمغرافية و البنيوية و التاريخية للحروب و الثورات العربية Empty المظاهر الديمغرافية و البنيوية و التاريخية للحروب و الثورات العربية

    مُساهمة  عمرو قضاض الإثنين يونيو 30, 2014 1:02 pm

    يبحث علم السكان في النتائج الديمغرافية للحروب و النزاعات المسلحة و يصنف الحرب ضمن أسباب الوفيات كما يعتبرها أحد الكوارث الكبرى الثلاث في تاريخ البشرية: الحرب – المجاعة – الطاعون؛ لأنه إذا كان من المقدور التحكم في الأمراض و المجاعة فإن التحكم في الحرب أقل بكثير إذ بقدر ما يساهم التقدم التقني و العلمي في تقليص الوفيات و المجاعة بقدر ما يرفع أيضا من إمكانيات الدمار المستعملة في الحروب الحديثة. علاوة على ذلك تشكل الأسلحة النووية و أسلحة الدمار الشامل مصدرقلق كبير للفكر البشري و للسلم العالمية.
    تأتي الحرب على أرواح الأشخاص العسكريين في ميدان المعركة و و المدنيين أيضا من جراء القصف المكثف’ و من الجرحى من يتوفى بعد حين. و لا تخلو الأراضي بدورها بما في ذلك الأراضي الزراعية من الدمار و تتلوث البيئة بالأشعة الناجمة عن استعمال قذائف اليورنيوم المخصب’ كما حدث في الحرب على العراق’ و المرض بالسرطان بسبب هذه القذائف . و تدفع الحرب بالعديد من السكان إلى الفرار و البحث عن اللجوء  في المخيمات التي قذ تعرض اللاجئين للأمراض و الوفيات بسبب افتقارها إلى الماء الصالح للشرب و الصرف الصحي و المرافق الطبية.
    الحرب قديمة قدم التاريخ. لم نتعم البلدان الأوروبية و النامية بالسلم إلا بعد الحرب العالمية الثانية و يرى البعض أن المجتمع الصناعي قادر على وضع حد نهائي للحرب كما استطاع التخلص من المجاعة و الأمراض الفتاكة.
    عاشت أوروبا في الحرب بشكل متواصل تتخلله بعض الهدنة منذ القرن السابع عشر و حتى منتصف القرن العشرين. قامت الحروب و الثورات في أوروبا تزامنا مع  فكر النهضة و التقدم العلمي و التقني لينتهي الوضع إلى مجتمعات أكثر حرية و كرامة و عدالة  و ثروة في تاريخها . نشرت الأمم المتحدة في سنة 1972 بيانا عن وفيات الجنود في الحروب الأوروبية  ما بين 1600 و 1918 كما يليي:
    1600 – 1699: 3,3 مليون
    1700 – 1788: 3,9 مليون
    1789 – 1815: 5,0 مليون
    1816 – 1913: 9,2 مليون
    1914 – 1918: 9,1 مليون
    نلاحظ أن الحرب العالمية الأولى هي أكثر قتلا من الحروب السابقة نظرا لتطور الأسلحة التقني؛ أما الحرب العالمية الثانية فقد خلفت’ حسب تقديرات " غريغوري فرامكين" ما بين 30 و 35 مليون حالة وفاة في الأوروبيين وحدهم  و حسب آخر التقديرات التي  تأخذ بعين الاعتبار جميع الوفيات بما في ذلك تلك الناجمة عن المجاعة و الأمراض  حصدت الحرب العالمية الثانية 50 مليون روحا في العالم.
    من الناحية التاريخية من نتائج حرب مائة سنة الأوروبية ما بين 1337 – 1453  تطور الحس القومي في كل من بريطانيا و فرنسا ’ أما حرب الثلاثين ما بين 1618 – 1648 أدت إلى قيام الدولة – الأمة في أوروبا’ وهو ما يعرف بالدولة الحديثة.

    1. يدرس علم الحرب أو فن الحرب في المدارس و الكليات العسكرية لكن الحرب  هي ظاهرة اجتماعية و بدأت تحظى باهتمام علماء الاجتماع بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة لدراستها دراسة علمية و العمل على تفاديها عملا بالمبدأ الذي يقول " إذا كنت تريد السلم فاعلم ما هي الحرب ". و يعتبر "غاستون بوتول" أول من أسس علم اجتماع الحرب أو ما يسمى "البوليمولوجيا". الدراية السوسيولوجية  بالحروب التي عرفها تاريخ البشرية  تساعد على تخطي هذه الحروب و معرفة شروط السلم و كيفية الحفاظ عليه. تبحث " البوليمولوجيا" في نشأة الصراعات المسلحة و معرفة عناصرها العدوانية التي قد تكون إما بنيوية مرتبطة بالبنيات الاجتماعية – الاقتصادية و إما  تكون مرتبطة بالظرفية التاريخية و بالاطار التاريخي لتطور المجتمع و إما تكون مرتبطة بظروف عاجلة. يتميز التطور الاجتماعي – الاقتصادي الحالي للبلدان العربية بالتصاعد المهول لحاجيات السكان على جميع الأصعدة و خاصة في أوساط الشباب. يتسبب في هذه الحاجيات أولا الوضع الديمغرافي حيث يتصدر الشباب هرم بنية الأعمار و ثانيا طموح الجماهير العريضة من السكان إلى تحسين مستوى معيشتها بفعل تطور التعمير و تقدم التعليم و الانتشار الواسع لوسائل الاتصال و معرفة ما يجري في العالم و الانفتاح على الثقافات الأخرى. نتيجة لذلك دخلت الشعوب العربية في التنافسية الدولية لتحسين مستوى العيش.

    بصفة عامة يمكن تصنيف الحروب إلى ثلاثة أصناف: الحروب الدينية و الحروب الاقتصادية و الحروب الاديلوجية.
    ا) الحرب الدينية هي تعريفا حرب التصادم بين أصحاب الديانات المختلفة و أطلق هذا الاسم على الحروب التي وقعت في القرنين السابع و الثامن عشر بين الكنيسة الكاثوليكية و الكنيسة البروتستانتية الصاعدة و التي تطالب بالحرية الدينية.
    ب) الحرب الاقتصادية من وجهة نظر المذهب التجاري أو المذهب الامبريالي تعني العمليات العسكرية ذات الهدف الاقتصادي. و تحديدا تشير إلى الصراعات المسلحة لتحقيق مصالح اقتصادية.
    ت) الحرب الإديلوجية هي صراع بين طرفين يحاول كل واحد منهما جلب الرأي العام إليه و يستعمل وسائل الأعلام و المثقفين و الفنانين و العلماء و الرياضيين للدعاية.

    غير أن الحروب الحديثة هي حروب شاملة: عسكرية و سياسية و اقتصادية و نفسية  و هي تعبأ جميع هذه القوى من أجل تحطيمها عند العدو. و مثال ذلك الحرب العالمية الثانية .

    يعتبر "روجي كايلوى" أن الحرب الشاملة التي عرفتها المجتمعات الحديثة ( الحرب العالمية الأولى و الثانية مثلا ) لا نخلو من طابع قدسي مثلها في ذلك مثل الحروب الضاربة القدم في التاريخ لأن وظيفتها الرئيسية تكمن في ممارستها كما لو أنها نوعا من الطقوس  بالمعنى الإثني للكلمة. و السبب في ذلك هو ضعف الحس التقليدي لإقامة الحفلات لدى المجتمعات المعاصرة و تلاشي الشعائر و المعتقدات الدينية فيها. و لذلك كانت المهرجانات الموسيقية التي تقام حاليا في المدن الكبرى كالمهرجان الموسيقي من أجل التسامح في مدينة أكادير المغربية يعمل على نشر قيم التسامح و التعايش السلمي بين الثقافات.
    في المجتمعات التي انفصل فيها المقدس عن المدنس تحاول الحرب جلب قوى المقدس و اكتساب شعبية كبيرة كما يظهر ذلك من خلال قدرتها على استنهاض الهمم و حشد أكبر عدد من الأشخاص و كسر دائرة الحرية الفردية و الأسرية لصالح التعبئة الشاملة.

    أما "جورج باطاي" فهو يرى في الحروب نزعة الإنسان منذ القدم للتدمير و يلاحظ أن هذه النزعة تهدف إلى التخلص من الكماليات في الاقتصادات الفقيرة و الاقتصادات الغنية على حد سواء. و يلاحظ أن الكماليات التي توجد عند الفرد يوازيها كماليات عند الدولة تتمثل في الصناعة العسكرية و  امتلاك القوة لخوض الحروب.

    كثيرا ما تفسر الحرب بأسباب اقتصادية و أنها ناجمة عن البؤس لكن هذه الأطروحة غير صحيحة في المجتمعات المتطورة علميا و تقنيا حيث تعتبر ممارسة الحرب من الأنشطة الكمالية التي تتطلب تقنيات مكلفة جدا و تفترض مسبقا تراكما مهما في الأموال. تهيمن البلدان المتطورة علميا و تقنيا على الساحة الدولية و تسيطر على أكبر جزء من الثروات العالمية بينما يستحيل على البلدان الفقيرة و المتخلفة تقنيا منازعة القوى العظمى  حربيا .

    2. مشكل الحرب هو’ في تحليل "غاستون بوتول" و مجموعة من الباحثين الديمغرافيين’ مشكل ديمغرافي بالدرجة الأولى لأنه في جميع الحالات الحرب هي "القتل الجماعي المنظم"  الناجم عن إثارة الحماس للاقتتال و الدعوة إلى التضحية بالنفس. العامل الديمغرافي هو الأكثر ملائمة للظرفية التي تسبب الحرب و يتمثل في تواجد فائض سكاني من الشباب العاطل الذي لا يمكن توظيفه في  الأنشطة الاقتصادية  مع درجة من التفوق التقني. و مثال ذلك في التاريخ وصول النازية إلى الحكم على إثر الأزمة الاقتصادية و انتشار البطالة مع قدرة ألمانيا التقنية في صنع الأسلحة المتطورة.  حلحلت الأنظمة الفاشية مشكلة البطالة  بتحويلها للعاطلين عن الشغل إلى جنود و إلى عمال في المصانع الحربية.
    لا يتسبب الفائض السكاني للشباب و لا الاكتظاظ السكاني في اندلاع الحرب بشكل مباشر و لكنه يعمل على تنشيط مؤسسات المجاعة و الهجرة و وأد الأطفال . يشبه "بوتول" التأثير الذي تمارسه الديمغرافيا على الهجرة بالتأثير الذي تمارسه على الحرب و يصف هذه الأخيرة بأنها "هجرة إلى الآخرة" تهدف إلى إعادة التوازن الاقتصادي – الديمغرافي أو ما يسميه " الاسترخاء الديمغرافي".

    بدأت الثورات العربية بمظاهرات سلمية يقودها الشباب  الذي يعاني من الحرمان الاقتصادي و من التهميش الاجتماعي و من المضايقات على حريته  و المطالب بالكرامة و العدالة الاجتماعية لكن قمع هذه المظاهرات بالسلاح سرعان ما أدى إلى ردة فعل حمل السلاح و طلب المساعدات العسكرية الدولية لحسم الموقف بالسلاح. انفجر الوضع في العراق مؤخرا بمجرد اختراقه السريع من طرف تنظيم داعش المسلح  الذي وجد حاضنة في الجهات التي تعاني من التهميش و الإقصاء السياسي فسيطر المسلحون على العتاد الحربي و المال بمدينة الموصل بشكل سريع و مثير للاستغراب فانخرط الشباب العراقي الثائر على الأوضاع في الكفاح المسلح لإسقاط النظام متحالفا مع تنظيم داعش ذو الإديلوجية الدينية الأصولية . و ما كان لهذا الشباب أن يحمل السلاح لو أنه صرفت طاقته خلال عشر سنوات مضت على سقوط النظام الشمولي  لصدام حسين في تحقيق التنمية السريعة التي تحتاج هي الأخرى إلى التعبئة الشاملة و إلى جميع الطاقات و إلى الجهاد الأكبر للخروج من وضعية التخلف و الالتحاق بركب الأمم المتقدمة اقتصاديا .  

    3.من وجهة نظر علم اجتماع التغير الاجتماعي الذي يدرس الأنظمة المهيمنة تعتبر وضعية الأزمة العامة أو النزاع المسلح آخر مراحل تطور النظام المهيمن الذي يعرف حركة تصاعدية في مراحله الأولى تليها حركة تقهقرية و هي حركة تساهم فيها العوامل الخارجية و العوامل الداخلية بشكل يجعل العوامل الخارجية تؤثر فيها من خلال العوامل الداخلية. العوامل الخارجية في هذه المرحلة من التطور التاريخي للبشرية هي المحافظة على السلم العالمية بقيادة الأمم المتحدة’ العولمة الاقتصادية’  انتشار مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان و محاربة الإرهاب الذي يهدد الأمن القومي للدول العظمى و الأمن الإقليمي في العالم.
    بعد انهيار جدار برلين سنة 1989 أخذ النظام المهيمن بقيادة الولايات المتحدة في التقهقر و ظهرت أزمات سياسية و مالية و اقتصادية أدت إلى ظهور حركات شبابية مدنية في العالم العربي و العالم كله و ظهور نزاعات مسلحة لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 8:17 am