يواكب التزايد السكاني ارتفاعا في الطلب الإجمالي على الاستهلاك‘ و يتم تلبية هذا الطلب عبر الزيادة في الإنتاج خصوصا وأن العدد الرقمي لليد العاملة قد ارتفع هو الآخر.
من نتائج التزايد السكاني التأثير على الاستهلاك و على الادخار عن طريق الشغل و الدخل. إذا لم يصاحب التزايد السكاني ارتفاعا في الشغل و في الدخل يحصل الضغط على الاستهلاك الإجمالي و يتراجع بفعل ذلك الادخار بحيث أن كل تزايد في السكان إلا و يطرح مسألة علاقة الدخل بالاستهلاك وبالتالي علاقة الادخار بالاستهلاك: هل الدخل يعادل الاستهلاك أم يزيد عنه أم ينقص؟
الادخار هو من العوامل الهامة لتكوين الرأسمال و المؤثرة على التنمية الاقتصادية و لذلك كانت علاقته بالتزايد السكاني إما إيجابية و إما سلبية حسب ما يعنيه التزايد السكاني في التنمية الاقتصادية: عامل مشجع لها أم عامل معرقل لها؟
يرتبط الطلب على الاستهلاك بالدخل و بحجم السكان ويميز الخبراء بين ثلاث أنواع من الطلب على الاستهلاك حسب ردود فعلها تجاه التغيرات الحاصلة في حجم السكان: أولا الطلب على المواد الأولية الضرورية الذي يأخذ قسطا مهما من ميزانية السكان ذوي الدخل المحدود و الذي يزداد ارتفاعا مع التزايد السكاني‘ ثانيا الطلب على المواد التي تمثل أيضا قسطا مهما في ميزانية الاستهلاك و لكن لا يتأثر بتغيرات حجم السكان و ثالثا الطلب على المواد الفخمة الذي يأخذ أكبر قسط في ميزانية ذوي الدخل المرتفع و الذي لا يسمح بارتفاع الدخل في حالة التزايد السكاني.
لتحديد موقع الادخار في التزايد السكاني يلجأ الخبراء إلى دراسته في البلدان حسب درجة نموها الاقتصادي.
تهتم الدراسات المتعلقة بالتزايد السكاني و التنمية الاقتصادية في البلدان السائرة في طريق النمو بالادخار الإجمالي للبلد و لا تعطي أهمية كبيرة لادخار الأفراد و العائلات نظرا لكون هذا الأخير ضعيفا و مترتبا عن ضعف الدخل الفردي فيها؛ غير أن الادخار الإجمالي في البلدان الفقيرة ضعيفا هو الآخر بالرغم من تميزه عن ادخار الخواص‘ و بدون ادخار إجمالي ليس هناك نموا للدخل الإجمالي.
حسب دراسات الأمم المتحدة حول الاقتصاد العالمي توجد بلدانا أكثر فقرا في العالم حيث الادخار شبه منعدم و لا يتجاوز 4 % من الناتج الداخلي الخام بينما هو متباين في باقي البلدان السائرة في طريق النمو و يتراوح بين 4 % و 16 %.
بالإضافة إلى ذلك يعتبر سوء توزيع الدخل بين الفئات الاجتماعية في هذه البلدان من العوامل الأخرى التي تحد من الادخار لأن الأغنياء الذين يحتكرون الدخل‘ بالرغم من قدرتهم العالية على الادخار‘ يفضلون الاستثمار في المضاربات العقارية و المالية و ليس في الإنتاج‘ كما أنهم يبذرون الأموال في استهلاك مواد خيالية و يحولون الأموال إلى الخارج بحيث أن البلد لا يستفيد منها.
في بعض الأوساط الاجتماعية الثرية لهذه البلدان لا يستعمل الادخار في الاستثمار و لكن في كنز الذهب و الفضة و المجوهرات النفيسة و شراء الأملاك في الخارج و إقامة احتفالات باهظة‘ و تمويل الإرهاب‘ الخ.
استطاع بلد كبير الحجم السكاني مثل الهند و حيث الفوارق الاجتماعية شاسعة بين الطبقة الأرستقراطية و عامة الشعب أن يصبح بلدا صاعدا اقتصاديا بفضل تقاليده العريقة في حب الوطن و حسه القوي بالعدالة الاجتماعية و قدرته على تطوير التكنولوجيا و تطبيقه الناجح للديمقراطية.
لا شك أن النمو السكاني السريع في البلدان السائرة في طريق النمو يساهم في ضعف القدرة على الادخار و بخاصة في البلدان حيث المستوى الأكثر انخفاضا للادخار و الذي لا يسمح بخلق الأرصدة المنتجة لتحسين مستوى العيش فيها؛ لكن التزايد السكاني في حد ذاته يسمح بالزيادة في الإنتاج بقدر يحافظ على الأقل على الاستهلاك المعتاد و بالتالي يسمح بالزيادة في نسبة الدخل الوطني المخصص للاستهلاك و بامتصاص جزء أكبر من الإنتاج الزائد.
تلجأ بعض حكومات البلدان الفقيرة في محاولتها للرفع من الاستثمار إلى "إعادة استثمار" جزء من الدخل المحصل عليه؛ هذه المنهجية تؤتي أكلها في حالة اعتماد البلد برامج تخطيط عائلي حتى لا يصرف الدخل المحصل عليه كل سنة على الفائض السكاني فقط.
بصفة عامة يمكن القول بأن الادخار الإجمالي في البلدان الأقل تطورا لا يكفي سوى لمجابهة التزايد السكاني