منتدى واحة الديمغرافيا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى علمي متميز يهتم بكل ما له علاقة بالسكان والديمغرافيا


    صيرورة التعمير و تطور الخصوبة في المغرب حسب وسط الإقامة و حسب التعليم 1970-2012

    عمرو قضاض
    عمرو قضاض


    المساهمات : 97
    تاريخ التسجيل : 19/04/2013
    العمر : 69
    الموقع : a.kodade@yahoo.com

    صيرورة التعمير و تطور الخصوبة في المغرب حسب وسط الإقامة و حسب التعليم 1970-2012 Empty صيرورة التعمير و تطور الخصوبة في المغرب حسب وسط الإقامة و حسب التعليم 1970-2012

    مُساهمة  عمرو قضاض الجمعة يوليو 05, 2013 2:47 pm


    حتى بعد النصف الثاني من القرن العشرين كان الانسان المغربي لا يزال يعيش بالقرية أساسا و يتعاطى للترحال. في البحث المتعدد الأهداف لسنة 1962 كان 70,76% من المغاربة يعيشون بالقرية و 28,64 % بالمدينة و ما تبقى كانوا رحلا.
    قبل الاستعمار كانت توجد بالمغرب بعض المدن المشهورة و التي يعود تاريخ بناءها إلى قرون عدة و التي قامت بأدوار ثقافية و حضارية مهمة‘ و لكن هذه المدن لم تتقهقر فقط بتقهقر الحضارة المغربية – الاسلامية القديمة و لكن أيضا لم تتسع أبدا‘ إلا بعد الادماج القهري لاقتصاد المغرب في السوق العالمي‘ لتصبح محل إقامة و محل شغل لفئات واسعة من السكان لأنها لم تكن قادرة على امتصاص نسبة مهمة من السكان.
    لذلك لم يكن لتوزيع السكان في المغرب قبل 1962 حسب الاقامة دلالة تذكر من حيث علم السكان.

    إن المقاييس التي اعتمد عليها بحث 1962 في التمييز بين المغرب القروي و المغرب الحضري هي اعتبار سكان السهول و الهضاب و الجبال و المناطق الجافة و سطا قرويا و ما عدا ذلك ينتمون إما إلى الرحل‘ و هم قليلون جدا‘ و إما إلى المغرب الحضري.

    من جهة أخرى تتغير المقاييس المعتمدة في التمييز بين المناطق القروية و المناطق الحضرية  حسب البلد و حسب الزمن. بصفة عامة جرت العادة على ربط السكن القروي بمزاولة الأشغال الفلاحية كنشاط اقتصادي و حيث ما تكون الفلاحة هي النشاط الرئيسي للسكان تعتبر التجمعات السكانية قروية بالدرجة الأولى. من هذا المنطلق يكون نوع الشغل‘ فلاحيا أو غير فلاحي‘ هو المفتاح للتمييز بين التجمعات السكانية القروية  و الحضرية‘كما يوجد مقياس أخر أكثر دقة للتعبير عن خصائص الوسطين القروي و الحضري و هو المقياس الكمي الذي هو عدد السكان بحيث أن القطيعة بين ما هو قروي و ما هو حضري كانت في العديد من البلدان تكمن في التجمعات السكانية ما بين 2000 و 5000 نسمة‘ مع بعض الاستثناءات.
    هناك مقاييس أخرى كالكثافة السكانية‘ الوضع الإداري أو توفر بعض التجهيزات و الخدمات؛ و لعل مقياس توفر الخدمات من ماء صالح للشرب و صحة و تعليم أساسا هو الذي يؤثر أكثر على تطور الخصوبة و علاقتها الترابطية بالوفيات.  و تجدر الإشارة إلى أن تعريف المدينة يختلف حسب البلدان و يتم اعتمادها من طرف منظمة الأمم المتحدة مراعاة للتعريفات الوطنية الرسمية و اعتبارا أيضا بأن الاختلاف الحاصل في هذه التعريفات إنما يعكس خصوصية السكن في هذه البلدان.
    في سنة 2000 بلغت نسبة سكان المدن في المغرب 55,46 %‘ حسب أرقام الأمم المتحدة‘ و بذلك أصبح المغرب مع بداية القرن الواحد و العشرين "أمة حضرية" على غرار الأمم الأخرى مثل انجلترا مع بداية القرن العشرين و التي تعتبر من الناحية التاريخية أول بلد يعيش نصف سكانه بالمدينة

    يجمع الخبراء على أن الثورة الصناعية هي التي طبعت بداية التعمير الحديث أولا في انجلترا و بعد ذلك بأوروبا‘ ثم بعد سنة 1850 امتد هذا التعمير إلى بلدان ما وراء البحر‘ بفضل تطور وسائل المواصلات من باخرة و سكك حديدية‘ حيث استقر الأوروبيون‘ كما أن هذه الصيرورة الجديدة للتوزيع الجغرافي للسكان تعبر عن التحولات الاقتصادية التي نجمت عن التحولات البنيوية في الانتاج و الاستهلاك بحيث أن الامكانيات و الآفاق الاقتصادية المختلفة تسببت في حصول هجرة مهمة من المناطق القروية إلى المناطق الحضرية و غيرت بالتالي التوزيع الجغرافي للسكان تغييرا جذريا.

    أدى التحسن المطرد في مناهج الانتاج‘ بفضل الثورات الصناعية و الزراعية‘ إلى تفكك الأسواق المحلية و الجهوية‘ و التي كانت تتمتع بنوع من الاستقلالية‘ و ادماجها في الأسواق الوطنية و تباعا لذلك في الأسواق العالمية. ارتفع الانتاج الفلاحي و سمح بذلك إلى فئات واسعة من السكان بمزاولة الأنشطة الاقتصادية الغير فلاحية و بخاصة الاشتغال في البداية بالقطاع الصناعي الجديد الولادة و الذي أخذ يزداد تطورا مع تطور قطاع الخدمات إلى أن تقلص الشغل بالقطاع الفلاحي بفعل عدم مطاطية الطلب على المواد الغذائية؛ و نتيجة لهذه التغيرات البنيوية في الانتاج عرفت اليد العاملة تغيرا بنيويا أيضا في تركيبتها القطاعية و تقلصت معها الحاجيات القروية لترتفع الحاجيات بشكل سريع في القطاع الحضري.

    في بداية صيرورة التعمير بالدول الصناعية كانت الظروف المهنية و السكنية و الاجتماعية والصحية والثقافية بالمدن غير مشجعة‘و صعبة جدا وبعضها خطيرعلى الصحة العمومية و على الصحة الانجابية بالخصوص؛ لكنها أخذت تتحسن بتدريج و أصبحت في نهاية المطاف عوامل استقطاب إضافية للمزيد من السكان القرويين.

    السمة الرئيسية الأولى لصيرورة التعميرفي البلدان الصناعية من الناحية الاقتصادية هو أن الهجرة القروية إنما هي تعبير عن تكيف عرض اليد العاملة‘ التي كانت في الأصل قروية‘ مع تحويل الطلب عليها من القرية إلى المدينة. غير أن مرور اليد العاملة بالمغرب وبعض الدول السائرة في طريق النمو من القطاع الفلاحي إلى الأنشطة الصناعية لا يتوافق كليا مع الهجرة من المناطق القروية إلى المناطق الحضرية إذ لا زال هناك إلى حد الآن أعدادا مهمة من المهاجرين القرويين الذين يغادرون الأنشطة الفلاحية و يتوجهون إلى المدن للتمركز في أنشطة يطبعها الشغل الناقص و ضعف الانتاجية و آخرون يعانون من البطالة‘ بل أن هناك مناطق قروية أصبحت أقل فلاحية حيث أن السكان القرويون يشتغلون بالتجارة و بعض الوحدات ذات الطابع الصناعي أكثر ما يشتغلون بالفلاحة‘ كما أن هناك مناطق قروية أصبحت شبه مهجورة.

    السمة الرئيسية الثانية لصيرورة التعمير بالمغرب هي التباين و التضارب الثقافيين بين التعمير التقليدي العمودي و التعمير الأفقي العصري بالاضافة إلى المشاكل العويصة التي تعرفها المدن الكبرى من اكتضاض سكاني و نقص في الخدمات العمومية  و سكن غير لا ئق و هشاشة اجتماعية و نقص في البنيات الاجتماعية – الثقافية.
    قبل الاستعمار كانت المدينة المغربية لا تزال تحافظ من حيث المعمار على طابعها الاسلامي – المغربي -الأندلسي المتميز الذي تهيمن عليه المآذن و يطبعه جوا روحيا إسلاميا يوجه السلوك العام للأفراد في المدينة و يحدد المعايير الاجتماعية و القيم الثقافية التي تتعلق بالزواج و بالخصوبة.
    خلال قرون طويلة من الانحطاط لم تتمكن هذه المدن بتطوير تقسيم العمل كما كان ممكنا من قبل حسب تحليل ابن خلدون لخصائص العمران الحضري. كان انتاجها الصناعي ضعيفا و مردوديتها كذلك مقارنة مع المعايير الحالية. و دائما حسب التحليل الخلدوني تلجأ الدولة ‘ في حالة الركود الاقتصادي للمدينة‘ إلى فرض المزيد من الضرائب‘ كما أن الدولة المخزنية عمدت أيضا إلى الاستغلال القهري للفلاحين وتملك أراضي "الجيش" للحصول على الفائض الفلاحي.
    كانت المدينة المغربية قبل الاستعمار تقوم بوظائف إدارية و عسكرية و تجارية و دينية – ثقافية و لكن لم تكن لها وظائف اقتصادية بالمعنى الحديث. لا نعرف الكثير عن البنيات الاجتماعية – الثقافية في المدينة المغربية آنذاك باستثناء الدور المركزي للمؤسسة الدينية حول المسجد و بعض الزوايا الدينية‘ كما أن امكانية التعليم و خدمات الصحة و جودة السكن و المكتبات و الجرائد و وسائل الاتصال و المواصلات و غيرها  التي تعتبرمن المحددات الاجتماعية – الثقافية للخصوبة و لبروز طبقة و سطى كانت محدودة جدا‘ إن لم يكن بعضها غير موجود تماما.

    لا شك أن التعمير في المغرب عرف تطورا مهما منذ سنة 1950 من حيث الكثافة و من حيث التوزيع الجغرافي و من حيث عدد المدن و من حيث الطبقات الاجتماعية الحضرية و أنه يتحدد عموما بفعل عوامل الانتاج الاقتصادي و بفعل مستوى النمو الاقتصادي و تطور صيرورة الانتاج و تمركز الوحدات الانتاجية؛ إلا أنه تعميرا غير متزن و ضعيف الارتباط بالتصنيع و لا زال لا يعبر عن التحول البنيوي في الانتاج في ظل اقتصاد وطني لا يزال فلاحيا بالدرجة الأولى؛ و نتيجة لذلك لا يعبر التعمير في المغرب عن التصنيع و القطيعة بالتالي مع هيمنة العالم القروي التقليدية‘ و إنما على تواجد أنماط اقتصادية و اجتماعية – ثقافية مركبة و هي جميعها تنعكس على الخصوبة بدرجات متفاوتة؛ لكن المشروع الاجتماعي الذي انخرطت فيه فئات واسعة من المجتمع السياسي و المدني‘ بعد سنة 2000 ‘ هو بناء مغرب حداثي و ديمقراطي.

    1) الخصوبة القروية و الخصوبة الحضرية

    بدأت معالم الخصوبة الحضرية  و تميزها عن الخصوبة القروية في المغرب ترتسم ابتداءا من 1970. في سنة 1962 كان مؤشر الخصوبة المركب في الوسطين القروي و الحضري متقاربا جدا و يقدر بحوالي 7 أطفال لكل امرأة متزوجة. في سنة 1972 سجل هذا المؤشر ما يفوق 4 أطفال في الوسط الحضري و ما يفوق 6 أطفال في الوسط القروي. في سنة 1992 بدا الفارق شاسعا بين الوسطين: 5,54 في الوسط القروي و 2,54 في الوسط الحضري. ما بين 1972 و 1992 تقلصت الخصوبة أساسا في الوسط الحضري بينما بقيت مرتفعة في الوسط القروي. في سنة 2002 انخفض مؤشر الخصوبة المركب إلى 3,10 في الوسط القروي و إلى 2,10 في الوسط الحضري.  منذ مطلع القرن الحالي انخفض مؤشر الخصوبة المركب إلى ما يعادل أو ما تحت 3 أطفال للمرأة المتزوجة في كلا الوسطين القروي و الحضري وفي سنة 2012 انخفض  المعدل الخام للولادة  إلى 18,64 في الألف.

    يبدو أن المنحنى الذي سلكته الخصوبة في المغرب هو انخفاضها في الوسط الحضري مند سنة 1970 و بعدها في الوسط القروي منذ سنة 1992 لتسجل حاليا حصة أقل من 3 أطفال للمرأة المغربية بالوسطين القروي و الحضري. من و جهة نظر علم السكان يعبر هذا الانخفاض في الخصوبة على مرور المغرب الآن من مستوى مرتفع إلى مستوى منخفض للخصوبة إذا ما تأكد هذا التوجه في السنوات المقبلة و ثبت أن الوضع الحالي للخصوبة لا يعني "تأجيلا للولادات" بفعل الأزمة كما يحدث ذلك عادة في فترة الأزمات و الحروب و الظرفيات الاقتصادية؛ لذلك من المفيد دراسة محددات الخصوبة خلال الفترة التي انخفضت فيها  هذه الأخيرة‘ علما بأن الإطار النظري المعروف يقر باستقرارمستوى الخصوبة في أخر الفترة السكانية الانتقالية في حوالي 2,1 ولادة لكل امرأة و يبقى على هذا الشكل لأمد طويل.

    بالتركيز دائما على صيرورة التعمير و ردود فعل الخصوبة تجاهها من المفيد بحث مسألة الهجرة القروية. يلاحظ في سنة 1994 أن الشباب القروي يساهم في هذه الهجرة بنسبة 27,6  % و أن الشابات  يهاجرن إلى المدينة أكثر من الشبان.  نفس الملاحظة تجري على الراشدين. كذلك بالنسبة للأطفال في الفئة العمرية 5 – 14  سنة يساهمون في الهجرة القروية بنسبة الربع و حيث أن هجرة الفتيات أكثر من هجرة الفتيان.
    من جهة أخرى يلا حظ أن الهجرة القروية سجلت ما بين 1970 و 2010 ارتفاعا سنويا متزايدا بحيث تمثل هذه الهجرة‘ منذ 1990 تحديدا‘ ما يقدر ب 40 % من سكان المدن.
    بالموازاة مع ذلك يلاحظ  ارتفاعا في نسبة العازبات منذ سنة 1992 في جميع الفئات العمرية النسائية و بخاصة في الفئات العمرية أكثر من 30 سنة. إلى حدود 2003 كانت العزوبة النسائية في الفئة العمرية  45 – 49 سنة حوالي 5 %‘ و هو رقم  يعبر عن ندرة العزوبة النهائية النسائية‘ لكن الملفت للانتباه هو تطوره السريع بحيث كان يمثل 0,4 % سنة 1992. يلاحظ أيضا أن نسبة العازبات في الفئة العمرية 15 – 19 سنة تقارب خلال الفترة المذكورة 90  %. أما فيما يخص السن المتوسط للزواج عند المغربيات فقد وصل سنة 2004 إلى 27,1 في المدينة و 25,5 سنة في البادية‘ و هو مل يعبر عن التراجع الكبير للزواج المبكر الذي كان أحد المعايير الاجتماعية للمجتمع التقليدي.

    إن تواجد نسب أكبر من الفتيات و من الشابات في الهجرة القروية يؤدي‘ مبدئيا‘ ليس فقط إلى وقوع عدم التوازن في معامل الذكورية أي في عدد الذكور على الإناث‘ و لكن أيضا إلى ارتفاع السن المتوسط للزواج عند النساء بالوسط الحضري و هذا ما يفسر كون هذا السن يفوق قرينه بالوسط القروي. فضلا عن ذلك يحتاج الشباب القروي بصفة عامة إلى كثير من الوقت للاستقرار في المدينة حيث فرص الشغل تكون نادرة و إلى التكيف مع الظروف الحضرية.

    هذه الملاحظات تخلص إلى أن صيرورة التعمير بالمغرب تعكس منذ سنة 1992 تفككا في النموذج الاجتماعي – الثقافي الذي نشأ حول الزواج المبكر و العائلة الممتدة‘ و هذا لا يعني أن المعايير و القيم التي يحملها بشأن السلوك الانجابي قد اندثرت نهائيا‘ كما يبقى السؤال مطروحا عن كيفية ادماج ضحايا هذا التفكك في منظومة اجتماعية جديدة تكفل مستوى مرتفع للزواج وفي آن واحد خصوبة منخفضة تستجيب لمتطلبات التنمية السريعة؛ و لعل أن مدونة الأسرة الجديدة من الناحية القانونية و المعيارية الاجتماعية خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

    2) الخصوبة و التعليم
    عموما توجد علاقة عكسية بين الخصوبة و مستوى التعليم و بخاصة في المجتمعات حيث الخصوبة منخفضة.
    يأخذ التعليم العصري قسطا من حياة الفرد حسب نظام التعليم المتبع و حسب كفاءات و طموحات الفرد و الإمكانيات المالية للأسرة.
    يبدأ التعليم  النظامي العمومي في المغرب في الربيع السابع للطفل و يستمر إلى ما بعد شهادة الباكالوريا في المدارس العليا و الجامعات خلال مدة أقصاها تسع سنوات ؛ أما في التأهيل المهني فإن المدة أقل بكثير و من الممكن الحصول على تكوين مهني قبل العشرين من العمر.
    تختلف فترة الإنجاب حسب البلدان و الثقافات و المعايير الاجتماعية و العمر عند الجنسين ‘ و بخلاف مدة التعليم تبدأ فترة الخصب عند المرأة‘ نظريا ‘ في 15 سنة و تنتهي بسن اليأس حوالي 50 سنة.
    هذه الاعتبارات تسمح بالقول بأن مزاولة الدراسة في سن عادي من العوامل التي تشجع على تأخير الزواج من سن مبكر إلى سن مرتفع نسبيا و بالتالي تؤثر عكسيا على الخصوبة القصوى للمرأة.
    يعتبر التعليم العصري‘ بجانب التعمير و الهجرة القروية‘ عاملا من عوامل تحديث المجتمع.
    في سنة 1960 تمثل نسبة الأمية‘ أي الذين لا يعرفون القراءة و الكتابة‘ 96 % عند الإناث و 78% عند الذكور . قبل ذلك كان التعليم التقليدي الذي يقوم على حفظ القرآن و الإلمام بقواعد قراءة و كتابة اللغة العربية و التفقه في الدين هو السائد و يقتصر على فئة قليلة من سكان المدن و القرى حيث كان "المسيد" أو الكتاب القرآني المتواجد بالمسجد يستقبل أفراد بعض العائلات‘ غالبيتهم من الذكور‘ لتكوينهم تكوينا دينيا بهدف مزاولتهم للوظائف الدينية. كانت المساجد الكبرى بالمدن و المراكز الدينية من زوايا و غيرها تستقبل الطلبة الوافدين عليها من القرى و المدن لاستكمال تفقههم في الدين و العلوم الشرعية و بعد ذلك تبعث بالعديد منهم إلى القرى للإضطلاع بمهام تلقين الناس مبادئ الدين و نشر تعاليمه. و تجدر الإشارة إلى أن هذا النموذج من التعليم التقليدي كان و ثيق الارتباط بالحاجيات السكانية الدينية بالقرية و بالمدينة على حد سواء و أن "الأطر" الدينية بعد استكمالها لتكوينها بالمدينة كانت تنتشر بالقرية لخدمة أهلها على عكس التعليم العصري الذي تطور في المدينة حيث يستقر بعد التكوين الخريجين من غير رجوع إلى القرية.

    ارتبط التعليم العصري بنمو التعمير و بعملية التنمية الاقتصادية التي اتسمت بثنائية القرية و المدينة الموروثة عن الاستعمار‘ و التي لم يتم بعد تجاوزها بشكل نهائي‘ و حتى في الوقت الراهن لا يتجاوز التعليم المتواجد بالقرية المستوى الأولي‘ أو الثانوي في بعض الجماعات القروية الحديثة‘ و أنه مرتبط  في برامجه بالمدينة و لا يخدم بصفة عامة التنمية القروية لأنه لا يوجد إلا القليل من مراكز التأهيل المهني بالقرية التي تثبت المتعلمين بالقرية عوض الدفع بهم إلى المدن.

    بعد سنة 1960 و نظرا للأهمية التي أخذ يكتسبها التعليم العصري من حيث آفاق الشغل في أجهزة الدولة الحديثة والقطاع العام هاجر العديد من العائلات من القرية إلى المدينة بهدف الاستقرار بها و تعليم أبنائها طمعا في تحسين و ضعيتها الاجتماعية بينما ازدادت الفوارق اتساعا بين القرية و المدينة.
    ما بين  1990 و 2000 تطورت نسبة التعليم عند الفئة العمرية 6 – 11 سنة بالسلك الابتدائي من 22,5 % عند الفتيات إلى 70,4 %‘ و من 48,8 % عند الذكور إلى 82,5 %. لكن الفوارق شاسعة جدا بين الوسطين القروي و الحضري بحيث يوجد 3 فتياة قرويات متمدرسات مقابل 8 حضريات في الفئة العمرية  8 – 13 سنة و 6 فتيان قرويون مقابل 10 حضريون  في نفس الفئة العمرية. تزداد هذه الفوارق اتساعا مع التقدم في سلك التعليم‘ خاصة عند الفتيات. في سنة  1997/98 سجل المعدل الصافي للتمدرس بالتعليم الأساسي عند القرويات 42,9 % في السلك الأول و 3,9 % فقط في السلك الثاني مقابل 87,7 % و 46,5  % على التوالي عند الحضريات.

    هذه الفوارق تعكس إلى حدود سنة 2000 التوزيع الغير متكافئ للتعليم بين القرية و المدينة و بالتالي فإن العلاقة العكسية بين مستوى التعليم و انخفاض الخصوبة لا تظهر إلا عند النساء اللواتي لهن مستوى تعليمي يفوق الثانوي حيث سجل المؤشر المركب للخصوبة 1,3 أطفال سنة 1977 مقابل 2,3 أطفال عند اللواتي لهن مستوى تعليم ابتدائي و 3,7 أطفال عند الأميات. و تجدر الإشارة إلى أنه في سنة 1997/98 تشتغل النساء القرويات بالفلاحة بنسبة 79,6 % مقابل 5,1 % فقط من الحضريات.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 3:27 am